31 Août 2012
هناك بعض المشاهد التي تعود بذاكرة المرء بسرعة إلى أزمان القرون الوسطى، و تدفعه للتساؤل هل هو حقا يعيش في العصر الحاضر وتثير الغثيان. منها مشهد حفلة الولاء السنوي لتجديد البيعة للملك بالمغرب. خلال الحفل يطرح الملك بذلته العصرية الأنيقة و التي كلفت آلا ف يتقمص دور أمير المؤمنين. يتخلى كذلك مؤقتا عن السيارة الألمانية الفارهة وعن موسيقى الروك ليمتطي جوادا عربيا على نغمات موسيقى “الحرس الملكي” بينما يتحلق حوله العديد من عناصر الحرس و عصبة من المقربين الذين يتم انتقاءهم . بعناية، تماما كما تحوم أسراب النحل حول ملكتها، في جو يشبه الحفلات الشعبية بصخبها و مرحها
يتلقى الملك هذا اليوم الولاء من كل نخب البلاد المدنية و السياسية وكبار الموظفين. وهذا يعني أو من المفترض أن يعني أن الشعب، من .خلال ممثليه، يعبر عن “تعلقه الراسخ بالعرش العلوي”، حسب التعبير المألوف
مراسيم الحفل تضع الملك في وضعية غريبة وتطبعها قسوة و إهانة إزاء أولئك الذين يجددون له البيعة. إن تعاليم الإسلام تحث كل رئيس أن يحافظ على كرامة مرؤوسيه لكن الملك يتجاهل هذه الوصية ولا يكترث بها وفي الوقت نفسه يبدي ازدراء و احتقارا لمن يقدمون له .فروض الطاعة و ينحنون أمامه صاغرين
تحت أشعة الشمس الحارقة يتنظر الملأ اللحظة الحاسمة و قد لبسوا الجلباب المغربي التقليدي و البرنس وتحتهما القميص ذي الأكمام الطوال و الصدرية والسروال، ووضعوا الشاشية الحمراء على رؤوسهم كما علمهم البروتوكول الملكي. عندما تبدأ المراسيم يأتون أفواجا فيركعون ثلاثا، كل فوج يضم خمسين نفرا تقريبا، و هم يرددون الكلمات المعروفة “الله يبارك في عمر سيدي”، ثم تدفعهم طائفة من عبيد القصر دفعا لا هوادة فيه لإخلاء الساحة بينما يتقدم الملك بفرسه بضع خطوات في اتجاه الفوج الموالي. ضمن هذا المشهد المضحك و المؤسف في نفس الوقت، حيث يبدو القوم كأنهم مخلوقات من صنف غير مألوف أو سرب من البطارقة هائمين على وجوههم و تلفح وجوههم الشمس، قد يفقد أحدهم نعلا أو نعلين فيجد نفسه حافيا يمشي بالجوارب فقط، حتى إذا انتهى الحفل و جاءت فرق النظافة فوجدت .النعال الضائعة، إلا أن صاحبها لن يجرأ فيطالب بها تجنبا للمزيد من الفضيحة
لا يكاد المرء يصدق أن العديد من المشاركين في هذا الحفل المهين قد وظفوا مهاراتهم البارعة في المكر والإقناع لكي يحظوا بشرف التوصل باستدعاء للحضور والمساهمة. هم إذن بضعة آلاف من الأفراد، يمتثلون طائعين لأمر المجيئ للحفل، و إلا فالويل والثبور لمن .تبرم و غاب لأنه سيكون قد تجرأ و عصى الأمر الملكي
من التفاصيل القاتلة و المتعمدة أنه لا توجد دورة مياه في باحة القصر، ولذلك فإن كل من يخشي أن تحاصره الرغبة في التبول، يضطر ...قبل المجيئ للامتناع عن تناول الطعام، بينما يلجأ البعض لارتداء حفاظات الأطفال تحسبا لكل طارئ
على منصة نصبت أمام الساحة الكبرى، يجتهد بعض المحظوظين للتصفيق بين كل انحناءة وأخرى ويتلذذون بهذا المشهد الذي عفا عنه الزمن خاصة و قد تم إعفاءهم من المثول في وسط حلبة العار حيث يأتي وجهاء البلاد يحاكون هزيمة شعب بأكمله يتجرعها دون أن .يخوض معركة واحدة
هل يوفر هذا المنظر السخيف للمستبد شعورا غامضا بالنشوة السادية بفعل الإساءة للآخرين ؟ أم يشعر بالمجد و هو يمعن في إذلال شركاءه في الوطن ؟
ما هي الصورة التي يروم هؤلاء الرجال الذين يمثلون الشعب المغربي أن تترسخ عنهم في مخيلة المواطنين ؟ و ما الإشارة التي يرسلونها لزوجاتهم وأبنائهم و عائلاتهم عندما يقبلون المذلة ويمتثلون بإذعان لنزوة رجل واحد؟
هل حاربـْـنا الاستعمار لنعزز هذا النظام الملكي المصاب بداء انفصام الشخصية، و نستسلم أمام الاستبداد دون شروط ؟ هل نرضى لمن يمثلنا هذه المعاملة المغرقة في الإهانة ؟ وهل عدمنا الكرامة و فقدنا المروءة حتى نستحمل دون أن يرف لنا جفن أن نرى منتخبينا في أسفل دركات الخسة ؟
هكذا إذن يلعب الملك دور البطل الأكبر في أفلام القراصنة فيترأس مهرجانا خاصا لإشباع شهوته الاستعلائية و نرجسيته التي لا حدود .لها، فيعيش لحظات من الغطرسة المطلقة و الخيلاء و يعود مرتاح البال لخاصته وذويه لأجل الاحتفال بالحدث
ولكن الغلبة دون مكابدة المخاطر تفضي إلى نصر دون مجد، وقد تدور عجلة الزمان فيجد صاحبنا نفسه ذات يوم في موقف محرج يفقد .من جراءه الكثير، و ليس فقط زوجا من النعال
بقلم صلاح الأيوبي
ترجمة أحمد ابن الصديق